هدير و آخرون

مثل أسابيع كثيرة في مصر مؤخراً يثار موضوع شائك ومثير للجدل والنقاش على شاشات التليفزون او منصات التواصل الاجتماعي على الانترنت , وبدون إفتراض سوء النية او الاعتماد على نظرية المؤامرة والإلهاء , تلك المواضيع قد تكون تمارين عقلية جيدة للإستفادة وتنمية الفكر الناقد والتحليل الحيادي لدى المجتمع .
ولكن مقدما نظرتي للشخصيات الحقيقية الواردة بهذا الموضوع ليست لإصدار حكم أخلاقي او ديني عليهم ولكنه للإستفادة العامة الخالصة بغض النظر عن الشخوص وحرياتهم الشخصية , عزيزتي هدير , لستِ معنية بهذا المقال .
كانت قضية الاسبوع الاخير هي هدير اول ام عازبة في مصر  , وماحدث كواقع فعلي حقيقي دون آراء كالتالي :
نشرت بنت صورة لصديقتها وهي تحتضن مولودها ومعه تعليق فيه التهنئة والافتخار بأن صديقتها – الام بالصورة – هي اول أم عازبة في مصر , ثم إنتقل هذا المنشور بين عدد كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي حتى انه انتقل الي الشارع ثم التليفزون , وتباينت الآراء بين من يرى انه لابد من دعم الام في مواجهة الاب النذل والمجتمع المتخلف الذي يحكم على افراده وتصرفاتهم ويحجر على حرياته الشخصية في ممارسة الجنس بأي طريقة يرتضيها الطرفان , ورأي الجانب الآخر بأن هذا تقليد أعمى للغرب الكافر الذي لا يؤمن بأي معتقدات دينية وأخلاقية وأنه يجب علينا التصدي لمثل هذه التصرفات ومنه تكرار مثل هذه التصرفات التي انتشرت في مجتمعنا في هذا الزمن القبيح ! حتى لا تنتشر مثل هذه الافكار الفاسدة بين الاجيال الجديدة , الام العازبة الوحيدة هي السيدة مريم .
حتى نُشر ما يشبه البيان من جهة – الام – بأنها متزوجة – زواج عرفي – على علم من الأهل وان الخلاف من والد ابنها لانه يرفض الاعتراف بالمولود وانه ليس – ابن حرام - .
الرأي :
ما الذي اثار الانتباه لمنشور التهنئة الخاص بصديقة هدير منذ البداية ؟ لما الافتراض المسبق بان المولود ناتج عن علاقة غير شرعية منحلة حرام ؟ لماذا لم نفكر في إحتمالية ان يكون الاب مات او حدث طلاق بين الاب والام قبل الولادة ؟ او ان المولود هو نتيجة حادثة اغتصاب بشعة قررت بعدها الام بعد كفاح وتضحية ومعاناة الاحتفاظ بمولودها البرئ؟ لماذا اصدرنا الحكم بكل هذه السرعة وكل هذا الجهل العظيم بحياة من نحكم عليهم وعلى تصرفاتهم المصيرية ؟! لماذا استسلمنا جميعا لخيال العقل الذي بنى قصة وصدقها عن بنت مستهترة لا تحترم الدين والعقيدة ولم تحظ بأي نوع من التربية مما وضعها في علاقة فاسدة لم تكن الاولى بالطبع مع شخص فاسد مثلها ولم يضعوا المجتمع وعاداته وتقاليده في الحسبان وأهانوا المقدسات , ايوة اكيد دا اللي حصل !
هذا الجهل العظيم بحياة الام الشخصية ودوافعها جعل الاراء الداعمة والرافضة كوميدية جدا بعد نشر الام حقيقة انها متزوجة من الاب , ولكن للاسف لم ينتبه لهذه الحقيقة ايضا .
انتشرت في مصر بعض المفاهيم والمعتقدات مثل حرب العالم الغربي للشرق او الاسلام وانهم نجحوا حتى الان في هذه المهمة او مثل الاعتقاد باننا في هذه العقود نتعرض لمشاكل آخر الزمان التي لم نتعرض لها من قبل .... أعتقد ان وجه الشبه بين المعتقدين هو التسليم والاستسلام لقوة خارجية تتحكم في حياتنا وهي المسئولة عن مشاكل حياتنا ولا نملك ان نتحكم فيها لاننا لا نستطيع مواجهة الغرب ولا القدر , ولكن هل هذه الام هي اول – ام عازبة في مصر - ؟ هل نتعرض فعلا لأول علاقة جنسية غير شرعية ؟ هل هي الاخيرة ؟ هل من إمكانية لمنعها في يد أي إنسان ؟ هل اختفت هذه العلاقة في ازهى العصور الدينية ؟  لماذا كل هذه الدهشة والمفاجأة من تصرف حدث منذ قديم الزمن ويحدث وسيحدث ؟ اعتقد ان السبب هو تأخر المجتمع المصري عن الالتحاق بالقرية الصغيرة التي تتشارك في جميع الاخبار وتنتشر فيها تصرفات جميع الافراد , مازلنا نعتقد اننا في عصر الراديو الواحد والشاشة الواحدة التي تنقل رأيا واحدا ونموذجا واحدا يجعلنا جميعا نستريح اننا نسير في مدار الجميع , في حماية القطيع العظيم الذي يشكل جدار اعظم من سور الصين العظيم , يحمينا من الشك في معتقداتنا او حتى وجود معتقد آخر , لا توجد تصرفات فردية بل تصرفات نموذجية آمنة لا يوجد بها اي مصدر للخطر على اسلوب حياتنا الهادئ .
الواقع الذي يفرضه علينا تطور العصر اننا نعيش في قرية صغيرة جدا ونستطيع بمنتهى السهولة معرفة تصرفات وآراء ملايين من البشر التي بالطبع تختلف عن جميع تصرفاتنا ومعتقداتنا ايضا .
لكننا لسنا مطالبين بالاقتناع بكل هذه الاراء والمعتقدات , لا بأس بالطبع ان نختلف معها وان نرى فيها الفاسد والسئ ولكن في إطار النقاش الواعي بين الثقافات , للاسف قضية الاسبوع جعلتنا متأخرون عن مفهوم تقبل الآخر لاننا ما زلنا في مرحلة الاعتراف بوجود الآخر اصلا !
حتى لا نصاب بالشيخوخة المبكرة او نتسبب في اضهطاد آخرين , من اجلنا واجل ابناءنا المميزون والمختلفون , علينا ان نكتسب المزيد من التسامح مع الآخر .
الجانب البعيد من القصة هو الدعم للام لعلمهم ما قد يحدث في مثل هذه المواقف من اضطهاد المجتمع والاسرة وتخلى الاب عن مسئوليته , وقد انتشرت العديد من هذه القصص الحقيقية المؤسفة والبشعة في علاج المشكلة والتعاطي معها , ولكن الافتراض المسبق بأن هذه هي الحقيقة في كل المواقف التي نتعرض لها قد يجعلنا في نفس مكانة من افترض السوء .
هذا يذكرنا بقضية اسبوع آخر وهي انتقال الحضانة للأب في حالة الطلاق , مما جعل البعض يرفض هذا الرأي ويطالب بالعكس تماما وهو انتقال الحضانة للأم لانها اولى من الاب .
الحقيقة ان الواقع في قضية هذا الاسبوع او قضية الحضانة اننا بحاجة شديدة لمؤسسة مستقلة قوية حاسمة تملك حق اصدار احكام تخص العائلة في مصر . كم حالات مثل هذه الحالة تصدر فيها أحكام عرفية ظالمة ؟ من من اسرة – نمودجية –  في مصر تكون ظالمة لأطفالها وقد يكون الاصلح لهم الابتعاد عن اهلهم ؟ هل توجد في مصر اصلا مؤسسة لرعاية الاطفال في مثل هذه الحالات تضمن رعاية جيدة للاطفال دون ضربهم او اهانتهم مثل العديد من الحوادث التي تحدث في دور الرعاية المصرية ؟
لا ادري ان كانت محكمة الاسرة تملك هذه الصفات ام لا انما الاكيد انها لا تمارسها بقوة ولا تفرض سلطتها الا لمن يحتكم اليها بإختياره .
ألا يمكن ان توجد حالات يكون فيها الاصلح والافضل لمصلحة الطفل ان يكون في حضانة ابيه ؟ او العكس ؟ الا يمكن ان تكون هدير غير مسئولة عن تصرفاتها واختياراتها بالارتباط بأب مولودها مثلا او اختياراتها في المستقبل  مما يجعلها غير كفء لرعاية هذا المولود ؟ الا يمكن ان نعتبر تشهيرها المتعمد بقضيتها على المجتمع المصري جريمة في حق مولودها ستلازمه طوال حياته ؟ ما ذنبه ان يولد لهذه الدنيا محملا بعبء تصرف او فعل لم يفعله ؟ ألم تفكر الام في حياة مولودها في المدرسة وسط زملاؤه ؟ هل فكرت في هذا ؟ هل سيكون فخور بذلك التشهير ؟ هل سيكون زملاؤه فخورين به ؟
في النهاية .. اذا افترضنا انها علاقة زنا فعلا وغير شرعية ولا يرضى عنها الدين , لماذا ننصب انفسنا دائما مدافعين ومحاميين عن نواهي واوامر الدين للغير ؟ ما ضرك عند مخالفة شخص ما لأمر او نهي ديني ؟ لماذا نهتم ؟ دائما اتسائل عن الشخص الذي اهتم بطبع منشور كبير في مدخل الاسواق- العشوائية التي تعاني من الاهمال والقذارة –عن دعاء دخول السوق ! ماهي استفادتك من ان يقرا الناس الدعاء ام لا ؟ ما ضررك ان لم يقرا احد الدعاء ؟ هل تعليق تلك اللافتة مفيد لرواد السوق اكثر من تمهيد طريق السوق وتنظيمه وتنظيفه ؟ ألا يجب ان نهتم حقا فعلا بمعاملة الناس بينهم واحترامهم للقانون والاخلاق عن اهتمامنا بعلاقتهم مع الإله ؟ أليس الهدف الاعلى والاسمى للاديان هي تعارف المجتمعات المختلفة والتعامل معها بسماحة ؟
فلنرحم انفسنا من عبء لسنا مضطرون لتحمله . وقد قيل ’ من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها ’ , لندعو الله ان يهدينا نفسنا ويغفر لنا نفسنا . ويمنحنا ضمان عدم الخطأ . ثم للناس .
محمد آدم