يا ثوار إسكندرية ثورتكم حلاااال

شباب الفيس بوك .. هكذا سمعت في بداية القصة قبل الثورة في التلفاز كنت اتخيلهم أشخاصا آخرون .. ربما أجانب يمتلكون حرية اكبر بسبب الإيحاء الذي استقر في عقلي بأنهم اقوي من غيرهم من الأشخاص العاديين .. كانت الاخبار تتردد عن حملات ومواقف لم استطع لصغر سني مفهمتها كليا ... ولكن الان أصبحت الأمور اكثر وضوحا واستطعت ان اري مدي الفجوة بين الشباب والشيوخ . 
استطيع ان افرض فروض عديدة تسببت في اختلاف هذا الجيل عن سابقيه . ربما انهم عندما شهدوا عصر مبارك لم ينكسروا امام الضغوط الاجتماعية او الاقتصادية كونهم طلاب فلم ينهرسوا في مسئولية مادية مما ساعدهم علي الاحتفاظ بحريتهم وخيالهم عن الحياة الوردية ؟ مما جعل تأثير الصدمة اكبر بعد خروجهم من العملية التعليمية ومفاجأتهم بالواقع ؟ الامر الذي شهده آبائهم منذ طفولتهم مما جعلهم لا يكترثون في الحياة بشيء عدا العلاوة السنوية .. اعتقد ان العلاقة طردية فكلما كنت اكبر في السن كلما كنت اكثر تقبلا بالواقع واكثر يأسا من التغيير . 
وتزامن مع تلك الصدمة وحالة اليأس المؤقتة توافر الانترنت كعالم افتراضي نستطيع الهرب فيه من الواقع ويمكننا ان نري فيه نماذج اخري علي نفس الكوكب ولنفس جنس البشر يعيشون حياة افضل ولا نستطيع كبح خيالنا عن المقارنة او التخيل بأن إدارة البلاد في سلطتنا .. كنا سنفعل كذا وكذا و كذا .. ولكن الواقع ظل يلازمنا ليس فقط عند نزول الشارع ولكن الشارع اقتحم عالمنا الافتراضي وانتشرت امام اعيننا مشاهد التعذيب والاهانة والقتل .. حتي اصبح الشارع الذي نسعي الهروب منه احداثه مجتمعة تحت المجهر امام اعيننا ليل نهار .  
هذا ما جعل الشباب اكثر أهلية عن غيره بالقيام بالثورة واحيانا الانفراد بأحداثها .. وقد أدت هذه الأسباب في دورها الكافي في تشجيع الشباب علي المواجهة وتحدي النظام الذي يهابه الشيوخ . الدور الباقي كان للنظام الذي ساعد الثورة عندما حاول اخمادها .. فلأول مرة تتجسد امام عينه وفي حضرته القصص والروايات الأسطورية التي سمعها في قصة احتلال انجليزي او إسرائيلي او حرب علي فلسطين كانت كلها تدور خارج محيطه المكاني وربما الزمني ..  تجسد الواقع في صور اقوي من خياله عندما رأي صديقه يقتل واخر يسحل والأخر يدهس .. جعلته لا يهتم برد فعل اهله فهو بالطبع بالشارع رغما عن ارادتهم او يهتم بحياته ومستقبله وهي المواضيع التي تشغل محور حياته وتفكيره .. لم يعد يهتم سوي بتحقيق الحق . مستميتا علي النجاح . منكسرة امامه هيبة الفرعون . وسقطت معها أي مظهر للسلطة  وتم تحرير الخيال وتوقع كل ما هو مفيد وعظيم كنتيجة لتلك الثورة التي لن تحتاج لوقت طويل حتي نراها . 
حتي بدأت الحرب ضد الثورة ومحاولات اضعافها وتقسيم افكارها فأصبح التحدي لمن يملك عمق الفكرة الثورية امام الاستمرارية لصعوبات الحياة وأصبحت المراهنة علي الاختيار بين الرأي والثورة وبين رغيف الخبز . 
تحدي خاسر امام شباب جعلتهم الثورة يرون المناهج الدراسية وتكتب احداث قد فعلوها هم بعد ان كانت احداث تاريخية كالمياه الراكدة وجعلتهم أيضا أحرارا في انفسهم رغما عنهم فقد اثرت الثورة علي تكوينهم وافكارهم واثرت الاحداث علي اختياراتهم فنجد في شباب الثانوية العامة مثلا الذي يواجه اكبر اختبار لمستقبله او هكذا يتم إقناعه , نجد في كل مدرسة وفي كل فصل فرد معتقل وخلفه افراد لا يهتمون بثانوية ولا مستقبلهم الخاص ولا لشيء .  ما يشغل تفكيرهم هو الصديق ويروا المصاعب التي ستواجههم بسيطة وسهلة في مقابل هذا الهدف . قد كسرت الثورة حاجز الخوف والرهبة لدي الشباب . واكملت مواقع التواصل الاجتماعي الدور بتذكيرهم ما حدث بالماضي وتنبيههم لما يحدث الان . انها حالة ثورية ولدت في الخامس والعشرين وظلت حتي الان . وربما يعتقد النظام بأنها قد تنتهي عند القضاء علي هذا الجيل او رقابة مواقع التواصل . ربما لا تساعده قدرته الاستيعابية علي فهم الجيل وادواته . 
الثورة وحاجز الخوف الذي كسرته والانترنت الذي يجمع الأفكار . ان استطاع تغيير هذه المؤثرات علي الشباب فانه قد ينجح .. 
تبدو هذه المؤثرات هي الاوضح في عوامل اختلاف هذا الجيل عن سابقيه .. متي تم كسر حاجز الخوف قبل الخامس والعشرين من يناير ؟ في السادس من إبريل 2008 تم الهتاف لأول مرة ضد رأس النظام ولم تكن هذه الانتفاضة بعيدة عن جيل الشباب .. ولكن بالنسبة للأجيال السابقة .. ثورة تصحيح في السبعينيات قام بها النظام ام ثورة 1952 التي قام بها الجيش ؟ انها فترة طويلة من الخضوع والقبول استقرت في كيان لآباء وآباء الأجيال السابقة . ومتي وجد الانترنت ووجد مكان لتجميع الشباب او حفظ الاحداث ؟ .. هذا ما يجعل الشباب جيلا فريدا لا استطيع التنبؤ بما سيفعله . 
ولكن هذه العوامل لم تتوفر بالكلية لمن هو في سن الشباب .. فقد اثر العامل الجغرافي علي الجيل .. فقد ساعدت العاصمة والإسكندرية بسبب اهتمام الدولة بمرافق المحافظتين اكثر من باقي الجمهورية بتوفير خدمات اتصالات اقوي واسهل مما جعل نسبة المستخدمين بالمدينتين اكثر نسبيا .. كما ساهم الاهتمام الإعلامي  بميدان التحرير علي التأثير في الحاضرين به وجعلهم اكثر إصرارا عن غيرهم بالإسكندرية مثلا بسبب أسلوب التظاهر .. ففي القاهرة تحصن الثوار في ميدان التحرير وقاموا بالاعتصام ولم يغادروا ميدان التحرير طوال الثورة بينما الإسكندرية لم يعتصم الثوار بميدان كميدان التحرير أيضا بالمنشية او الشهداء ولكنهم قاموا بمسيرات تقطع الإسكندرية من الغرب الي الشرق يوميا مما منع الاعلام من اظهار حقيقة قوتهم وتأثير كل فرد علي المسيرة ككل وعلي احداث الدولة . تحركوا وكان داعمهم ايمانهم بضرورة المشاركة بالرغم من الجهل من مدي القوة التي يملكوها .. جعل هذا الكثيرون يرون الثورة في ميدان التحرير فقط ويتمنون لو استطاعوا الذهاب " للمشاركة الحقيقية في الثورة " كما يروا . 
ربما هي الأسباب المنطقية للثورة في الإسكندرية او يمكننا التسليم بشهادات الأجانب عن الإسكندرية او الشعراء والفنانون الذين مروا عليها او التاريخ الذي يصفها بأنها ساحرة وتملك من السحر ما لا يمتلكه مكانا اخر .. سحر أنبت فيها سيد درويش او جعلها مكان وداع الملك فاروق او ملهمة شعراء او مكان حضارة لتجمع الثقافات .. ربما ارسي هذا السحر في باطن عقول السكندريين بأنهم مختلفون وعليهم ان يكونوا مختلفون . 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق